اذا استوعبت أن أمامك مئات الخيارات وربما الآلاف، فان الخوف حتما سيتبدد، هذا الشعور الغريزي اللئيم الذي ينتاب المرء في لحظات ضعفه، قد يكون سببا في كثير من المشاكل التي تحيط به.
الخوف من المستقبل، من الفقد، من الفقر، من الهزيمة، من الفشل، من الموت...صور كثيرة لهذا الاحساس. وتكفي أن تسيطر واحدة منها على الشخص حتى ترمي به في أتون الارتياب واللايقين وعدم الثقة في الذات والمستقبل.
ان الخائف يعيش في جحيم حقيقي، فيستسلم ربما وهو في منتصف العمر أو الطريق، ثم يموت وهو الحي، مسلما حياته كلها للأقدار.
وتزداد حدة الخوف وتجلياتها على المواطن في المجتمعات المتخلفة، حين تحمله الدولة مسؤولية نفسه ووزر قراراته ومستقبله، فيصير مع الوقت اما كسولا لا يحمل هما لنفسه وأسرته ووطنه، واما عدوانيا يتقاتل (مع باقي أفراد المجموعة الخائفين مثله) على نيل حصته من الفرص النادرة أو المعدومة، فيكثر اللصوص الصغار وخائنو العهود وعاقو الأسر...ومع مرور الزمن تتكون جماعات من المنبوذين، يجمعهم شيء واحد، هو عيشهم على هامش المجتمع وعدم حملهم لأي ولاء أو مبادئ، ويمكن أن نتصور باقي القصة.
ان سلاح الخوف بالنسبة للشخص "المثقف" هو المعرفة، فهي تجعله قويا حتى في أكثر لحظات ضعفه، مسيطرا على الأوضاع، فاتحا أمامه مئات الخيارات، ومنها أن يلقى بارئه فوق القمة الشماء، كالنسر تماما في لحظاته الأخيرة.
يمكن أن نجد حلا لكل هذا عن طريق التثقيف، لكنه للأسف محدود، ويستحيل أن يشمل الجميع في السياقات الحالية، يمكن أيضا أن يقضى على الخوف بخلق مجتمع الوفرة، لكنه احتمال شبه مستحيل في عصر التوحش الرأسمالي.
ويمكن أن يقضى على الخوف الفطري الغريزي ببساطة، عن طريق تبني مبادئ حركة ما بعد الإنسانية Transhumanism، التي تعول على المنجزات التقنية في قتل أسباب الشرور البشرية، ومع أنه ربما الحل الأخير المتاح، الا أنه يصطدم بجبال من التصورات الايديلوجية والسياسية، التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على أصالة الجنس البشري مهما كانت التكلفة.
وفي غياب تصور وطني حول ماهية البشري الذي نريد، الخائف أم الواثق، الحزين أم السعيد، الكسول أم النشيط، فانه للأسف ستظل هذه النقطه -كما الكثير- تخضع للحلول والتصورات الفردية، التي لن تنفع الا الأقلية القليلة، فيما ستظل الأغلبية تسبح في بحر الظلام والخوف واللايقين.
التسميات
تنمية ذاتية